منذ صدور بيان رئاسة الجمهورية حاملا إعلان لقاء صحفي بين السيد الرئيس وممثلي عدد من وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية بصرية، إنتظرته باهتمام كبير، لا لأنني أنتمي إلى هذه العائلة التي خصها السيد الرئيس بلقاء في بداية مهمته الوطنية، ولكن لأن اللقاء المعلن عنه، حطم قيودا كثيرة فرضها النظام البائد، عندما بنى جدارا بالأسمنت المسلح بينه وبين أصحاب مهنة تصنف سلطة رابعة (.....)، وناصبهم العداء منذ أن وصفهم عراب هذا النظام البائد بــــ: "طيابات الحمام" !!!
في هذه الأثناء، أقرأ عبر صفحات التواصل الاجتماعي، تعليقات كثيرة، للأسف كالعادة تحمل سيلا من الشتائم والسب المجاني للإعلام الجزائري، بعض المعلقين تحولوا إلى مخرجين ينتقدون طريقة إخراج اللقاء الصحفي كما لو أنهم كانوا ينتظرون إخراجا سينمائيا على طريقة سبيلبيرغ، وبعضهم نصبوا أنفسهم ناقدين، صبوا جام غضبهم على الصحفيين المشاركين في اللقاء، لأنهم ارتكبوا " جرم" أو " جناية" قبول لقاء السيد رئيس الجمهورية، وكثير منهم أزعجتهم طبيعة الأسئلة المطروحة كونها لا تحمل مطالب الحراك .
بعضهم انتقدوا أيضا الكراسي الخضراء التي كانت خلف الصحفيين.. بعضهم..وبعضهم.. وفي كل الحالات، ليس هذا الأهم في رأيي.
اختلف مع كل هؤلاء ( النقاد)، وأنا أعلم ان كثيرا منهم بعيدون عن المهنة ولا يمتون إليها بصلة، نصبهم الحراك ناقدين وجعل منهم أصحاب معارف في غياب الدولة والمنطق ، وعليه:
لو اطلع هؤلاء على بيان رئاسة الجمهورية الذي أعلن عن اللقاء بين الرئيس وممثلي بعض وسائل الإعلام، لما انتقدوا الأسئلة المطروحة، لأن البيان جاء على الشكل التالي: ( ... يلتقي السيد رئيس الجمهورية ممثلي بعض وسائل الإعلام، لينقلوا بعض انشغالاته وما يجول بخاطره بخصوص ورقة الطريق التي شرع في تجسيدها منذ إعلانه رئيسا منتخبا للجمهورية)، ومعنى هذا الكلام أن اللقاء لم يُبرمج ليكون حوارا، إنما هناك نقاط محددة ، حددها الرئيس شخصيا ودعا وسائل الإعلام لإثرائها كي يفهم المواطن البسيط طبيعة المهمة التي شرع فيها رئيس الجمهورية.
لو كان هؤلاء الذين انتقدوا الصحفيين المشاركين في اللقاء وشتموهم، أقول لو كانوا صحفيين ويعرفون المهنة لعرفوا مسبقا أن هناك فرقا بين اللقاء والحوار.
النقطة الوحيدة التي أصاب فيها كثير من الناقدين ، تتعلق بالمجزرة غير المبررة التي وقعت على عملية التركيب، عندما أدرج تدخل الزميل محمد بغالي رئيس تحرير يومية الخبر في شكل تدخل ختامي، وفي وسط اللقاء، حتى أن الرئيس علق بجملة يفهم منها أن اللقاء انتهى ، ما فتح الباب أمام تأويلات كثيرة.
بحكم تجربتي المتواضعة في مهنة الصحافة، وفي العمل التلفزيوني على وجه الخصوص، يمكن أن أفسر هذا الخطأ الجسيم بما يلي:
الإحتمال الأول: يعود الخطأ للمركب بنسبة ضئيلة، فيما تعود النسبة الكبيرة من المسؤولية إلى رئيس التحرير وبدرجة أكبر إلى مسؤوله المباشر، لأن طبيعة العمل تقتضي أن يراقب النسخة النهائية الجاهزة للبث (PAD)، دون غيره من الصحفيين أو العمال، لأن الامر يتعلق بصورة رئيس الجمهورية، وبمؤسسة الرئاسة، ونسبة احتمال الخطأ في هذه الحالات صفر، أي غير مسموح بها تماما.
هذا الاحتمال يبقى ضعيفا جدا، ذلك أنه في العادة، عندما يتعلق الأمر بموضوع على هذه الدرجة من الأهمية، يتم التركيب في خلية الرئاسة، وليس في خلية التلفزيون العمومي بشارع الشهداء، وبعد التأكد من سلامة العمل يُحول إلى البث بالتلفزيون، لذلك اعتقد بوجود احتمال ثاني.
الاحتمال الثاني: خلية الإعلام برئاسة الجمهورية، كما يعلم الجميع هي خلية جديدة، لا أعرف من فيها بالضبط، ولكن بحكم التجربة والاحتكاك، أكاد أجزم، أن الخطأ وقع بسبب تداخل المهام، ومحاولة كل طرف فرض نفسه حتى يثير اهتمام مسؤولي الإعلام بالرئاسة، وقد يكون الخطأ وقع نتيجة عملية ( حفر) كما يقال بالعامية بين أطراف متصارعة تريد ان تثبت وجودها وتحظى باهتمام الزعيم.
أتمنى أن تكون قراءتي لهذا الخطأ خاطئة، لأن عملية من هذا النوع، لا ترتبط بالعاملين في خلية الإعلام بالرئاسة، والمشاهد بالنهاية لا يدرك تفاصيل هذه الامور، إنما تضع الإعلام الجزائري كله في ( شكارة) واحدة، والنتيجة رأيناها في تعليقات المواطنين، وما زلنا نرى ونسمع أكثر، لأن الإعلام الجزائري هو فعلا في مرتبة طيابات الحمام.