روبورتاج: فاتح سامي ثلاثة أيام فقط تفصل الجمهور عن إسدال صالون الجزائر الدولي للكتاب في دورته ال28، لكنّ زخمه مازال يتصاعد ويصنع الحدث بفعالياتِه المتنوعة وضيوفِه وحشودِ الزوار التي لا تنقطع. شغف القراءة لا يوقفها الزحام ! الموعد الثقافي الأضخم ينتظره عشاق الكتاب من الجزائر ومختلف أنحاء الوطن على أحر من جمر، جاءوا للبحث عن أمهات الكتب وعن الإصدارات والعناوين الجديدة التي تزيّن الرفوف. من العاشرة صباحا وحتى الثامنة ليلا يتجوّل الزوار- شيبا وشبابا وأطفالا- بين الأروقة، يطوفون من جناح إلى جناح في رحلة ثقافية استثنائية لا تعرف الكلل ولا الملل. الترامواي وسيلة الزوار المثلى لتفادي اختناق الطرق في مثل هذه المواعيد أمام الازدحام المروري الخانق الذي تشهده المحاور المؤدية إلى قصر المعارض، خاصة خلال عطلة نهاية الأسبوع وعطلة التلاميذ الأخيرة، يفضّل كثير من الزوار ركنَ سياراتهم بعيدا واللجوء إلى التراموي كوسيلة فضلى للوصول إلى المعرض. وعلى الرغم من جهود أعوان أمن صافاكس أو الشرطة المتواجدين على مستوى كل منافذه، تظلّ صورة الازدحام المروري أحد أبرز ملامح السيلا في كل نسخة، وهي ظاهرة صحية تعكس استمرار رابطة القارئ - كتاب. عند محطة الترامواي، تظهر صورة أخرى، حشود من المواطنين يتجمعون أمام شباك بيع التذاكر ، فيما تتشكّل طوابير طويلة أمام سياج حديدي أقامته سيترام لتنظيم عملية فحص وتدقيق التذاكر. عائلات وأمهات يحملن أطفالهن رضعا وكهولا بالكاد يستطيعون تخطي حاجز المراقبة، جميعهم ينتظرون عربة ترامواي تأتي متأخرة ومكتظة، بينما تملأ أجراس إنذارها مختلطة بأبواق السيارات الأرجاءَ. وآخر أفواج الزوار يغادرون عائدين إلى بيوتهم بعد إغلاق المعرض، وقد لفّ الظلام المكان. عصير الكتب Lola DZ ..جيلٌ جديد من الكتاب والقراء ! يزداد الزٌحام ويخفّ داخل أروقة المعرض وأجنحتِه، تبعا لسمعة دار النشر وطبيعةِ الكتاب وحجمِ اِسم الكاتب، بعضُ دور النشر يصعب الوصول إليها بسبب جحافل القراء المحتشدين أمامها. جناح دار النشر المصرية"عصير الكتب"، المشاركة في الصالون للمرة الخامسة تواليا، تستقطب شبابا جزائريين في مقتبل العمر وتلاميذ من الطوريْن الثاني والثالث، يفتّشون عن إصدارات الطبيب الروائي المصري الشهير عمرو عبد الحميد، الذي خَصصّت له إدارة المعرض -كالعادة- مساحة في الهواء الطلق بسبب الأعداد الغفيرة من معجبيه. لا يقل الجناح الخاص بالروائية والمؤثرة الجزائرية LolaDZ إقبالا، حيث يتجمّد القراء - معظمهم من الطلبة والتلاميذ- منتظرين فرصة لقاء صانعة المحتوى، التي يتابعها على يوتيوب قرابة مليون شخص، والفوز بنسخة من روايتها " الجن" آخرِ إصداراتها. بوجدرة وحيدا..مفارقة صادمة في قلب زحام السيلا في مشهد يعكس مفارقة لافتة، يجلس الروائي الجزائري الكبير، رشيد بوجدرة، وحيدا على طاولته، لا يحيط به سوى بضعةِ أعداد من روايته الجديدة " زناة التاريخ"، على أمل أن يقتنيها قارئ ما خلال جلسة البيع بالتوقيع. ولفهم هذه المفارقة، يوضح الروائي والكاتب الصحفي بشير مفتي: " الروائيون من الجيل الجديد يعتمدون على المواقع والوسائط للترويج لأعمالهم، بينما أمثال بوجدرة من الكتاب الكبار، لا أعتقد أن لديهم الوقت الكافي لذلك". ويضيف مفتي، وهو يرتّب مجموعة أعمال دوستويفسكي مثل " الأبله" و" الجريمة والعقاب" ورائعته " الشياطين" : " شخصيا، مازلت وفيّا لكبار الكتاب والروائيين الجزائريين والأجانب. أما الجيل الجديد الذي يكتب عن الرعب والجن، فلست مستعدا لأقرأ له، فلديه من القراء المراهقين ما يكفي". جيش من الصحفيين لتغطية الحدث أرمدةٌ من الصحفيين لتغطية هذا الحدث الثقافي الأضخم في البلاد، مصدر من المصلحة المكلفة بالإعلام، على مستوى السيلا، ذكر لي أن عدد الشارات المسلّمة تخطّى 700 شارة نصفها تقريبا للصحفيين، هم يمثّلون مختلف وسائل الإعلام الوطنية المرئية والمسموعة والمكتوبة والإلكترونية، إلى جانب ممثلي وسائل الإعلام الأجنبية المعتمدة في الجزائر فضلا عن صحفيين من موريتانيا، ضيف شرف هذه الطبعة، ومن ليبيا وبعض الدول الأخرى. أكثر من 100 حرفي..السيلا ليس للكتاب فقط ! لا تقتصر فعاليات الصالون على الكتب، ففي الباحة التي تتوسط أجنحة العرض الرئيسية، تُنْصَب أكثر من 100 خيمة لعرض منتجات الحرف اليدوية من مختلف ربوع الوطن، من تمور وحلي تقليدية وأواني نحاسية وغيرها من الأعمال المعبّرة عن التراث الجزائري. مشروع قصر المعارض الجديد..على أمل أن يستضيف سيلا 2026 ولأنّ قصر المعارض الحالي أصبح عاجزا عن استضافة مثل هذه الفعاليات الكبيرة، فقد تمّ إطلاق مشروع قصر جديد للمعارض، وضعَ رئيسُ الجمهورية، عبد المجيد تبون، حجرَ أساسه نهاية 2022 ، يسمح بخلق بنية تحتية حديثة تتيح للجزائر استضافةَ أكبر المعارض والفعاليات التجارية في أفريقيا. يتم تجهيزه بأحدث التقنيات، بما في ذلك أنظمة التحكم الذكية في المباني، ويعتمد على الطاقات الجديدة، كما يستخدم تقنيات إعادة تدوير المياه لري المساحات الخضراء، فضلا عن موقف سيارات مساحته 60 ألف متر مربّع، يتألّف من طابقين وطاقة استيعابه 1880 سيارة..على أمل تسريع وتيرة الإنجاز وتجهيزه قبل موعد حلول الطبعة ال 29 من السيلا العام المقبل.